Tuesday, December 9, 2008

لذة عالم صوفي



لاأزال حتى الساعة لم أذق لذة تعادل لذة الانتهاء من قراءة كتاب جديد، خصوصا عندما يكون كتابا مميزا، حينها تتضاعف اللذة أضعافا مضاعفة. هذا الشعور الكهربائي لايزال حيا نديا ينبض داخلي مع كل كتاب تماما مثلما آنسته حين فرغت من أول كتاب يوم كنت فتى صغيرا.


من الكتب الجميلة التي عشتها وانتشيت بعد الفراغ منها منذ فترة ليست بالبعيدة رواية لأستاذ الفلسفة وتاريخ الفكر جوستاين غاردر (نرويجي الأصل) والذي كنت قد قرأت له سابقا رواية ممتازة أخرى بعنوان (فتاة البرتقال).

الرواية المسماة (عالم صوفي) التي أخرجت مؤلفها إلى الانتشار العالمي حيث ترجمت إلى أكثر من ثلاث وخمسين لغة، وبيع منها أكثر من ثلاثين مليون نسخة، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي ولعبة فيديو، هي رواية مختلفة حقا ومميزة إلى أبعد الحدود.

ترتكز «عالم صوفي» وبشكل محوري على حوارات بين فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تدعى صوفي أمندسن ورجل غامض اسمه ألبرتو كونكس، تبدأ بطريقة تصاعدية متوترة منذ الصفحات الأولى، ويبدأ ذلك بأن تجد صوفي رسالتين غامضتين في صندوق بريدها فيهما «من أنتِ؟»، و«من أين جاء العالم؟»، وبأسلوب تواصلٍ غامض، تصبح صوفي طالبة للفيلسوف «ألبرتو كنوكس»، الذي يبدأ مجهولاً تماماً بالنسبة لها ثم يكشف عن نفسه شيئاً فشيئا. يشرع ألبرتو بتعليم صوفي تاريخ الفلسفة، عبر سرد الأحداث الفلسفية المهمة بدءاً من الفلسفة اليونانية قبل السقراطية، وصولاً إلى الفلسفة الوجودية الخاصة بـ«سارتر».

تتعلم صوفي لاحقاً عن فلسفات القرون الوسطى عبر دروسها مع ألبرتو مرتدياً زيّ راهب في كنيسة قديمة، وتتعلم عن جان بول سارتر في مقهى فرنسيّ، حيث يضع ألبرتو أمام صوفي الظروف والأساليب التدريسية المناسبة لكل درس فلسفي.

أروع ما في الكتاب هو القدرة الفائقة للمؤلف على تحويل موضوع معقد كالفلسفة إلى رواية سلسة ماتعة، فهذه الرواية، وإن كانت طويلة بعض الشيء، هي متعة حقيقية خصوصا لأولئك الذين يعشقون التحليق في عالم التساؤلات والأفكار الفلسفية.

لا أظن بأني سأحرق عليكم متعة قراءة الرواية، إن أنا جئت لكم ببعض أجمل العبارات التي وردت في (عالم صوفي)، حيث إنها مليئة بالمزيد المزيد مما يستحق القراءة والتمعن، والسطور اللاحقة هي مجرد عينات:

1- الفيلسوف هو الذي يعي دائما أنه يعرف القليل القليل ولذلك يحاول دائما أن يبلغ المعرفة الحقيقية.

2- الذين يطرحون الأسئلة هم دائما الأكثر خطرا. أن تجيب ليس شيئا مربكا إلا أن سؤالا واحدا يمكن أن يفجر ما لا يفجره ألف جواب.

3- القدرة على التمييز بين الخير والشر تكمن في عقل الإنسان لا في المجتمع.

4- من المستحيل أن يكون الإنسان سعيداً إذا تصرف عكس قناعاته.

5- الذي يكتفي بهز كتفيه عندما نحدثه عن المجتمع الذي يعيش فيه ويفضل أن يعيش لنفسه فقط هو إنسان تافه.

6- التاريخ ليس إلا سلسلة من الصحوات البطيئة لوعي العالم على نفسه.

7- إن الحيوانات تلد حيوانات، أما الإنسان فلا تلده إنسانا بل تربيه ليصبح كذلك.

8- الحرية هي واحدة من أكثر القدرات أهمية عند الإنسان. نحن لا نكون أحراراً إذا ما اتبعنا غرائزنا، بل نسعى إلى أن نصبح عبيد رغباتنا وأنانيتنا.

9- من المستحيل أن تحب الشخص الذي تعرفه تماما، فأنت لا تحب إلا الجانب الخفي من كل إنسان.

10- الله هو النور الأزلي. كلما اقتربت من هذا النور كلما أصبحت الرؤية أوضح وكلما ابتعدت ازداد الظلام.

11- الظلام غير موجود من حيث هو ظلام، ولكنه فقدان النو








منقوول
الدكتور ساجد العبدلي

No comments: